فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ}.
والحق أنزل في الإنجيل أن الأحكام تؤخذ من التوراة. أي أن الإنجيل تضمن إلى جانب روحانياته أسس الأحكام الموجودة في التوراة. ولذلك أوضح الحق: من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق مادام قد خرج على الطاعة. فإن خرج أحد على الطاعة في أمر الألوهية والربوبية فهو كافر. ومن خرج على الأحكام بالنسبة للحكم بين الناس فهو ظالم. إذن فالمسألة كلها متداخلة، فالشرك ظلم عظيم أيضًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ} قرأ الجمهور بسكون «اللام» وجزم الفعل بعدها على أنها لام الأمر سُكِّنَتْ تشبيهًا بـ «كَتْف» وإن كان أصلها الكسر، وقد قرأ بعضهم بهذا الأصل.
وقرأ حمزة والأعمش، بكسرها ونصب الفعل بعدها، جعلها لام «كي»، فنصب الفعل بعدها بإضمار «أن» على ما تقرر غير مَرّة، فعلى قراءة الجمهور والشاذ تكون جملة مستأنفة.
وعلى قراءة حمزة يجوز أن تتعلق «اللام» بـ {آتينا}، أو بـ {قفَّيْنَا} إن جعلنا {هدى وموعظة} مفعولًا لهما، أي: قَفَّينا للهدى والموعظة وللحكم، أو آتيناه الهدى والموعظة والحكم، وإن جَعَلْنَاهما حالين معطوفين على {مصدقًا} تعلَّق {وليحكم} في قراءته بمحذوف دلَّ عليه اللفظ، كأنه قيل: «وللحكم آتيناه ذلك».
قال الزمخشري: فإن قلت: فإن نظمت {هدى وموعظة} في سِلْكِ {مصدقًا} فما تصنع بقوله: {وليحكم}؟
قال شهاب الدين: أصنعُ به ما صنعت بـ {هدى وموعظة} حيث جعلتهما مفعولًا لهما فأقدِّر: «وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه».
وقال ابن عطية قريبًا من الوجه الأول، أعني كون {وليحكم} مفعولًا له عطفًا على {هدى} والعامل {آتيناه} الملفوظ به، فإنه قال: وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق، وليحكم أهل الإنجيل.
قال أبو حيان: فعطف {وليحكم} على توهّم علةٍ، ولذلك قال: «ليتضمن» وذكر أبو حيان قول الزمخشري السَّابق، وجعله أقرب إلى الصواب من قول ابن عطية.
قال: لأنَّ الهدى الأول، والنور والتصديق لم يؤت بها على أنها علّة، إنما جيء بقوله: {فيه هدى ونور} على معنى كائنًا فيه ذلك ومصدقًا، وهذا معنى الحَالِ، والحالُ لا تكون علةً، فقوله: «ليتضمَّن كَيْتَ وكَيْتَ وليحكم» بعيد.
وقرأ أبَيٌّ: {وَأن ليحكُم} بزيادة «أنْ» وليْسَ موضِعَ زيادَتِهَا.
مَنْ قَرَا بِكَسْرِ اللامِ وفتحِ الميمِ جعل اللاَّم مُتعلقةً بقوله: {وآتيْنَاهُ الإنجيلَ} فيكونُ المعْنَى: آتيناهُ الإنجيلَ ليحكُم، ومن قرأ بِجَزْمِ اللام والميمِ على سبيلِ الأمْرِ ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون التقديرُ: وقُلْنا: لِيَحْكُمْ أهْلُ الإنجيلِ، فيكونُ هذا إخبارًا عمَّا فرض الله عليهم في ذلك الوقْتِ، وحذفُ القولِ كثيرٌ كقوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم} [الرعد: 23- 24] أيْ: يَقُولُونَ سلامٌ عليْكُم.
والثاني: أن يكونَ قوله: {وَلَيَحْكُمْ} ابتَدأ الأمْرَ للنَّصارى بالحُكْمِ بما في الإنجيلِ. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (48):

قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه الكتابين، ذكر ختامهما وتمامهما، وهو ما أنزل إلى هذا النبي الأمي من الفرقان الشاهد على جميع الكتب التي قبله، فقال تعالى: {وأنزلنا} أي بعظمتنا {إليك} أي خاصة {الكتاب} أي الكامل في جمعه لكل ما يطلب منه وهو القرآن {بالحق} أي الكامل الذي لا يحتاج إلى شيء يتمه، ثم مدحه بمدح الأنبياء الذين تقدموه فقالك {مصدقًا لما بين يديه} أي تقدمه.
ولما كانت الكتب السماوية من شدة تصادقها كالشيء الواحد، عبر بالمفرد لإفادته ما يفيد الجمع وزيادة دلالة على ذلك فقال: {من الكتاب} أي الذي جاء به الأنبياء من قبل {ومهيمنًا} أي شاهدًا حفيظًا مصدقًا وأمينًا رقيبًا {عليه}.
أي على كل كتاب تقدمه- كما قاله البخاري في أول الفضائل من الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي هذه الصفة بشارة لحفظه سبحانه لكتابنا حتى لا يزال بصفة الشهادة، فإن الله تعالى استحفظهم كتبهم فعجزوا عنها، فحرفها محرفوهم وأسقطوا منها وأسقط مسرفوهم، فتكفل هو سبحانه بحفظ كتابنا فكان قيمًا عليها، فما كان فيها موافقًا له فهو حق، وما كان فيها مخالفًا فهو إما منسوخ أو مبدل فلا يعبر، بل يحكم بما في كتابنا لأنه ناسخ لجميع الكتب، والآتي به مرسل إلى جميع العالمين، فملته ناسخة لجميع الملل، فأنتج هذا وجوب الحكم بما فيه على المؤالف والمخالف بشرطه؛ فلذا قال مسببًا عما قبله: {فاحكم بينهم} أي بين جميع أهل الكتب، فغيرهم من باب الأولى {بما أنزل الله} أي الملك الذي له الأمر كله إليك في هذا الكتاب الناسخ لكتبهم المهيمن عليها في إثبات ما أسقطوه منها من أمرهم باتباعك ونحو ذلك من أوصافك {ولا تتبع أهواءهم} فيما خالفه منحرفين {عما جاءك} وبينه بقوله: {من الحق}.
ولما كان كل من كتابيهم من عند الله، كان كأنه قيل: كيف يكون الحكم بكتابهم الذي يصدقه كتابنا انحرافًا عن الحق؟ علل ذلك دالًا على النسخ بقوله: {لكل} أي لكل واحد {جعلنا} أي بعظمتنا التي نفعل بها ما نشاء من نسخ وغيره، ثم خصص الإبهام بقوله: {منكم} أي يا أهل الكتب {شرعة} أي دينًا موصلًا إلى الحياة الأبدية، كما أن الشرعة موصلة إلى الماء الذي به الحياة الدنيوية {ومنهاجًا} أي طريقًا واضحًا مستنيرًا ناسخًا لما قبله، وقد جعلنا شرعتك ناسخة لجميع الشرائع، وهذا وأمثاله- مما يدل على أن كل متشرع مختص بشرع وغير متعبد بشرع من قبله- محمول على الفروع، وما دل على الاجتماع كأنه شرع لكم من الدين محمول على الأصول {ولو شاء الله} أي الملك الأعظم المالك المطلق الذي له التصرف التام والأمر الشامل العام أن يجمعكم على شيء واحد {لجعلكم أمة} أي جماعة متفقة يؤم بعضها بعضًا، وحقق المراد بقوله: {واحدة} أي على دين واحد، ولم يجعل شيئًا من الكتب ناسخًا لشيء من الشرائع، لأن الكل بمشيئته، ولا مشيئة لأحد سواه إلا بمشيئته {ولكن} لم يشأ ذلك، بل شاء أن تكونوا على شرائع مختلفة {ليبلوكم} أي ليعاملكم معاملة المبتلى المختبر {فيما آتاكم} أي أعطاكم وقسم بينكم من الشرائع المختلفة ليبرز إلى الوجود ما تعملون في ذلك من اتباع وإذعان اعتقادًا أن ذلك مقتضى الحكمة الإلهية؛ فترجعون عنه إذا قامت البراهين بالمعجزات على صدق ناسخه، ونهضت الأدلة البينات على صحة دعواه بعد طول الإلف له وإخلاد النفوس إليه واستحكامه بمرور الأعصار وتقلب الأدوار؛ أو زيغ وميل اتهامًا وتجويزًا كما فعل أول المتكبرين إبليس، فتؤثرون الركون إليه والعكوف عليه لمتابعة الهوى والوقوف عند مجرد الشهوة.
ولما كان في الاختبار أعظم تهديد، سبب عنه قوله: {فاستبقوا الخيرات} أي افعلوا في المبادرة إليها بغاية الجهد فعل من يسابق شخصًا يخشى العار بسبقه له، ثم علل ذلك بقوله: {إلى الله} أي الشارع لذلك، لا إلى غيره، لأنه الملك الأعلى {مرجعكم جميعًا} وإن اختلفت شرائعكم، حسًا في القيامة، ومعنى في جميع أموركم في الدارين {فينبئكم} أي يخبركم إخبارًا عظيمًا {بما كنتم} أي بحسب اختلاف الجبلات؛ ولما كان في تقديم الظرف إبهام، وكان الإفهام بعد الإبهام أوقع في النفس، قال: {فيه تختلفون} أي تجددون الخلاف مستمرين عليه، ويعطي كلامًا يستحقه، ويظهر سر الاختلاف وفائدة الوفاق والائتلاف. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{تبغون} بتاء الخطاب: ابن عامر والخراز عن هبيرة. الباقون بالياء. {ويقول} بالواو وبالرفع: عاصم وحمزة وعلي وخلف، وقرأ أبو عمرو وسهل ويعقوب بالنصب. عياش: مخير. الباقون {يقول} بدون واو العطف. {من يرتد} بالإظهار: أبو جعفر ونافع وابن عامر. الباقون بالإدغام. {والكفار} بالجر: أبو عمرو وسهل ويعقوب وعلي. الباقون بالنصب عطفًا على محل {الذين اتخذوا} وقرأ أبو عمرو وعلي غير ليث وأبي حمدون وحمدوية وابن رستم الطبري عن نصير طريق ابن مهران بالإمالة.

.الوقوف:

{بالحق} ط {ومنهاجًا} ط {الخيرات} ط {تختلفون} o لا لعطف {وأن احكم} على ما قبله. ومن وقف فلأنه رأس آية. {أنزل الله إليك} ط {ذنوبهم} ط {الفاسقون} o {يبغون} ط {يوقنون} o {أولياء} o ليلزم النهي عن اتخاذ الأولياء مطلقًا {أولياء بعض} ط {منهم} ط {الظالمين} o {دائرة} ط لتمام المقول. {نادمين} o لا لمن قرأ {ويقول} بالنصب عطفًا على {أن يأتي}. {جهد أيمانهم} لا لأن قوله: {إنهم} جواب القسم {لمعكم} ط {خاسرين} o {ويحبونه} لا لأن ما بعده صفة قوم {الكافرين} o لشبه الآية. {لائم} ط {من يشاء} ط {عليم} o {راكعون} o {الغالبون} o {أولياء} ج للعطف ولطول الكلام. {مؤمنين} {ولعبًا} ط {لا يعقلون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب}.
هذا خطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم، فقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق} أي القرآن، وقوله: {مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب} أي كل كتاب نزل من السماء سوى القرآن. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَأنْزَلْنَا إلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ} يعني: أنزلنا إليك يا محمد الكتاب بالحق، يعني: بيان الحق.
ويقال: بالعرض والحجة، ولم ينزله بغير شيء، {مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب} يعني: موافقًا للتوراة، والإنجيل، والزبور، في التوحيد وفي بعض الشرائع. اهـ.

.قال الفخر:

في المهيمن قولان:
الأول: قال الخليل وأبو عبيدة: يقال قد هيمن إذا كان رقيبًا على الشيء وشاهدًا عليه حافظًا.
قال حسّان:
إن الكتاب مهيمن لنبينا ** والحق يعرفه ذوو الألباب

والثاني: قالوا: الأصل في قولنا: آمن يؤمن فهو مؤمن، أأمن يؤامن فهو مؤامن بهمزتين، ثم قلبت الأولى هاء كما في: هرقت وأرقت، وهياك وإياك، وقلبت الثانية ياء فصار مهيمنًا فلهذا قال المفسرون {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي أمينًا على الكتب التي قبله. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي شاهدًا. قاله السدّي والكسائي: وهي رواية الوالبي عن ابن عباس، قال حسان:
إن الكتاب مهيمن لنبينا ** والحق يعرفه ذووالألباب

أي مصدق.